فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذه الصفة مفقودة بعد المغرب.
وقال أبو العالية: نهار الجنة هكذا؛ وأشار إلى ساعة المصلين صلاة الفجر.
أبو عبيدة: الظل بالغداة والفيء بالعشي؛ لأنه يرجع بعد زوال الشمس؛ سمي فيئًا لأنه فاء من المشرق إلى جانب المغرب.
قال الشاعر، وهو حميد بن ثور يصف سرحة وكنى بها عن امرأة:
فلا الظِّلُّ من بَرْدِ الضُّحَا تَسْتطيعُهُ ** ولا الْفَيْءُ من بَرْدِ العشِيّ تَذُوقُ

وقال ابن السّكيت: الظل ما نسخته الشمس والفيء ما نسخ الشمس.
وحكى أبو عبيدة عن رؤبة قال: كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وظل، وما لم تكن عليه الشمس فهو ظلّ.
{وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} أي دائمًا مستقرًا لا تنسخه الشمس.
ابن عباس: يريد إلى يوم القيامة، وقيل: المعنى لو شاء لمنع الشمس الطلوع.
{ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ دَلِيلًا} أي جعلنا الشمس بنسخها الظلّ عند مجيئها دالة على أن الظلّ شيء ومعنى؛ لأن الأشياء تعرف بأضدادها ولولا الشمس ما عرف الظل، ولولا النور ما عرفت الظلمة.
فالدليل فعيل بمعنى الفاعل.
وقيل: بمعنى المفعول كالقتيل والدهين والخضيب.
أي دللنا الشمس على الظل حتى ذهبت به؛ أي أتبعناها إياه.
فالشمس دليل أي حجة وبرهان، وهو الذي يكشف المشكل ويوضحه.
ولم يؤنث الدليل وهو صفة الشمس لأنه في معنى الاسم؛ كما يقال: الشمس برهان والشمس حق.
{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} يريد ذلك الظل الممدود.
{إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} أي يسيرًا قبضه علينا.
وكل أمرِ ربنا عليه يسير.
فالظل مكثه في هذا الجو بمقدار طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضا، وخلفه في هذا الجو شعاع الشمس فأشرق على الأرض وعلى الأشياء إلى وقت غروبها، فإذا غربت فليس هناك ظل، إنما ذلك بقية نور النهار.
وقال قوم: قبضه بغروب الشمس؛ لأنها ما لم تغرب فالظل فيه بقية، وإنما يتم زواله بمجيء الليل ودخول الظلمة عليه.
وقيل: إن هذا القبض وقع بالشمس؛ لأنها إذا طلعت أخذ الظل في الذهاب شيئًا فشيئًا؛ قاله أبو مالك وإبراهيم التيميّ.
وقيل: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} أي قبضنا ضياء الشمس بالفيء {قَبْضًا يَسِيرًا}.
وقيل: {يَسِيرًا} أي سريعًا، قاله الضحاك.
قتادة: خفيا؛ أي إذا غابت الشمس قبض الظل قبضًا خفيًا؛ كلما قُبض جزءٌ منه جُعل مكانه جزءٌ من الظلمة، وليس يزول دفعة واحدة.
فهذا معنى قول قتادة؛ وهو قول مجاهد. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}.
لما بيِّن تعالى جهل المعترضين على دلائل الصانع وفساد طريقتهم ذكر أنواعًا من الدلائل الواضحة التي تدل على قدرته التامة لعلهم يتدبرونها ويؤمنون بمن هذه قدرته وتصرفه في عالمه، فبدأ بحال الظل في زيادته ونقصانه وتغيره من حال إلى حال وأن ذلك جار على مشيئته.
وتقدم الكلام على {ألم تر} في البقرة في قصة الذي حاجّ إبراهيم.
والمعنى {ألم تر إلى} صنع {ربك} وقدرته.
و{كيف} سؤال عن حال في موضع نصب بمد.
والجملة في موضع متعلق {ألم تر} لأن {تر} معلقة والجملة الاستفهامية التي هي معلق عنها فعل القلب ليس باقي على حقيقة الاستفهام.
فالمعنى ألم تر إلى مدّ ربك الظل.
وقال الجمهور: {الظل} هنا من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس مثل ظل الجنة ظل ممدود لا شمس فيه ولا ظلمة.
واعترض بأنه في غير النهار بل في بقايا الليل ولا يسمى ظلًا.
وقيل: {الظل} الليل لا ظل الأرض وهو يغمر الدنيا كلها.
وقيل: من غيبوبة الشمس إلى طلوعها وهذا هو القول الذي قبله ولكن أورده كذا.
وقيل: ظلال الأشياء كلها كقوله: {أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله} وقال أبو عبيدة: {الظل} بالغداة والفيء بالعشي.
وقال ابن السكيت: {الظل} ما نسخته الشمس والفيء ما نسخ الشمس.
وقيل: ما لم تكن عليه الشمس ظل وما كانت عليه فزالت فيء.
{ولو شاء لجعله ساكنًا} قال ابن عباس وقتادة وابن زيد: كظل الجنة الذي لا شمس تذهبه.
وقال مجاهد: لا تصيبه ولا تزول.
وقال الحسن: {لو شاء} لتركه ظلًا كما هو.
وقيل: لأدامه أبدًا بمنع طلوع الشمس بعد غيبوبتها، فلما طلعت الشمس دلت على زوال الظل وبدا فيه النقصان فبطلوع الشمس يبدو النقصان في الظل، وبغروبها تبدو الزيادة في الظل فبالشمس استدل أهل الأرض على الظل وزيادته ونقصه، وكلما علت الشمس نقص الظل، وكلما دنت للغروب زاد وهو قوله: {ثم قبضناه إلينا قبضًا يسيرًا} يعني في وقت علو الشمس بالنهار ينقص الظل نقصانًا يسيرًا بعد يسير وكذلك زيادته بعد نصف النهار يزيد يسيرًا بعد يسير حتى يعم الأرض.
كلها فأما زوال الظل كله فإنما يكون في البلدان المتوسطة في وقت.
وقال الزمخشري: ومعنى {مد الظل} أن جعله يمتد وينبسط فينتفع به الناس.
{ولو شاء لجعله ساكنًا} أي لاصقًا بأصل كل مظل من جبل وبناء وشجر وغير منبسط فلم ينتفع به أحد، سمي انبساط الظل وامتداده تحركًا منه وعدم ذلك سكونًا ومعنى كون الشمس دليلًا أن الناس يستدلون بالشمس وبأحوالها في مسيرها على أحوال الظل من كونه ثابتًا في مكان وزائلًا ومتسعًا ومتقلصًا فيبنون حاجتهم إلى الظل واستغناءهم عنه على حسب ذلك.
وقبضه إليه أن ينسخه بظل الشمس {يسيرًا} أي على مهل وفي هذا القبض اليسير شيئًا بعد شيء من المنافع ما لا يعد ولا يحصى، ولو قبض دفعة لتعطلت أكثر مرافق الناس بالظل والشمس جميعًا فإن قلت: ثم في هذين الموضعين كيف موقعها؟ قلت: موقعها البيان تفاضل الأمور الثلاثة كأن الثاني أعظم من الأول، والثالث أعظم من الثاني تشبيهًا لتباعد ما بينهما في الفضل بتباعد ما بين الحوادث في الوقت.
ووجه آخر وهو أنه بنى الظل حين بنى السماء كالقبة المضروبة ودحا الأرض تحتها فألقت القبة ظلها على الأرض لعدم النير.
{ولو شاء الله لجعله ساكنًا} مستقرًا على تلك الحالة ثم خلق الشمس وجعله على ذلك الظل سلطها عليه وجعلها دليلًا متبوعًا لهم كما يتبع الدليل في الطريق فهو يزيد بها وينقص ويمتد ويقلص، ثم نسخه بها قبضه قبضًا سهلًا يسيرًا غير عسير، ويحتمل أن يريد قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه وهي الأجرام التي تلقي الظل فيكون قد ذكر إعدامه بإعدام أسبابه، كما ذكر إنشاءه بإنشاء أسبابه وقوله: {قبضناه إلينا} يدل عليه وكذلك قوله: {يسيرًا} كما قال: {ذلك حشر علينا يسير} انتهى وقوله: سمى انبساط الظل وامتداده تحركًا منه لم يسم الله ذلك إنما قال كيف مد الظل وقوله: ويحتمل أن يريد قبضه عند قيامه الساعة فهذا يبعد احتماله لأنه إنما ذكر آثار صنعته وقدرته لتشاهد ثم قال: {مد الظل} وعطف عليه ماضيًا مثله فيبعد أن يكون التقدير ثم قبضه عند قيام الساعة مع ظهور كونه ماضيًا مستدامًا أمثاله.
وقال ابن عطية: {ولو شاء لجعله ساكنًا} أي ثابتًا غير متحرك ولا منسوخ، لكنه جعل الشمس ونسخها إياه بطردها له من موضع إلى موضع دليلًا عليه مبينًا لوجوده ولوجه العبرة فيه.
وحكى الطبري: أنه لولا الشمس لم يعلم أن الظل شيء إذ الأشياء إنما تعرف بأضدادها.
وقال ابن عباس: {يسيرًا} معجلًا.
وقال مجاهد لطيفًا أي شيئًا بعد شيء، ويحتمل أن يريد سهلًا قريب التناول.
وقال أبو عبد الله الرازي: أكثر الناس في تأويل هذه الآية ويرفع الكلام فيها إلى وجهين.
الأول: أن الظل لا ضوء خالص ولا ظلمة خالصة، وهو ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس وكذلك الكيفيات الحاصلة داخل السقف وأبنية الجدارات، وهي أطيب الأحوال لأن الظلمة الخالصة يكرهها الطبع وينفر عنها الحس والضوء الخالص يحير الحس البصري ويحدث السخونة القوية وهي مؤذية، ولهذا قيل في الجنة {وظل ممدود} والناظر إلى الجسم الملون كأنه يشاهد بالظل شيئًا سوى الجسم وسوى اللون والظل ليس أمرًا ثالثًا ولا معرفة به إلاّ إذا طلعت الشمس ووقع ضوءها على الجسم ثم مال عرف للظل وجود وماهية، ولولاها ما عرف لأن الأشياء تدرك بأضدادها، فظهر للعقل أن الظل كيفية زائدة على الجسم واللون ولذلك قال: {ثم جعلنا الشمس عليه دليلًا} أي جعلنا الظل أولًا بما فيه من المنافع واللذات، ثم هدينا العقول إلى معرفة وجوده بأن أطلعنا الشمس فكانت دليلًا على وجود الظل.
{ثم قبضناه} أي أزلناه لا دفعة بل {يسيرًا} يسيرًا كلما ازداد ارتفاع الشمس ازداد نقصان الظل من جانب المغرب، ولما كانت الحركات المكانية لا توجد دفعة بل يسيرًا يسيرًا كان زوال الأظلال كذلك.
والثاني: أنه لما خلق السماء والأرض وقع السماء على الأرض فجعل الشمس دليلًا لأنه بحسب حركات الأضواء تتحرك الأظلال فهما متعاقبان متلازمان لا واسطة بينهما، فبمقدار ما يزداد أحدهما ينقص الآخر، فكما أن المهتدي يقتدي بالهادي والدليل ويلازمه فكذلك الأظلال ملازمة للأضواء، ولذلك جعل الشمس دليلًا عليه انتهى.
ملخصًا وهو مأخوذ من كلام الزمخشري، ومحسن بعض تحسين.
والآية في غاية الظهور ولا تحتاج إلى هذا التكثير.
وقال أيضًا: {الظل} ليس عدمًا محضًا بل هو أضواء مخلوطة بظلام، فهو أمر وجودي وفي تحقيقه دقيق يرجع فيه إلى الكتب العقلية انتهى.
والآية في غاية الوضوح ولا تحتاج إلى هذا التكثير وقد تركت أشياء من كلام المفسرين مما لا تمس إليه الحاجة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَلَمْ تَرَ إلى رَبّكَ}.
بيانٌ لبعضِ دلائل التَّوحيدِ إثرَ بيانِ جهالةِ المُعرِضينِ عنها وضلالتهم. والخطابُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، والهمزةُ للتَّقريرِ. والتَّعرضُ لعُنوان الرُّبُوبِّيةِ مع الإضافة إلى ضميره عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لتشريفه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وللإيذانِ بأنَّ ما يعقُبه من آثارِ ربوبيَّتِه ورحمتِه تعالى أي ألم تنظُر إلى بديعِ صُنعه تعالى {كَيْفَ مَدَّ الظل} أي كيف أنشأ ظلَّ أيَّ مُظَلَ كان من جبلٍ أو بناءٍ أو شجرةٍ عند ابتداء طلوع الشَّمسِ ممتدًا لا أنَّه تعالى مدَّهَ بعد أنْ لم يكن كذلك كما بعدَ نصفِ النهار إلى غروبها فإنَّ ذلك مع خُلوِّه عن التَّصريح بكون نفسه بإنشائه تعالى وإحداثِه يأباهُ سياقُ النَّظمِ الكريمِ. وأما ما قيل من أنَّ المرادَ بالظِّل ما بين طُلوعِ الفجرِ وطُلوع الشَّمسِ وأنه أطيبُ الأوقاتِ فإنَّ الظُّلمةَ الخالصةَ تنفِرُ عنها الطِّباعُ وشعاع الشمس يسخِّنُ الجوَّ ويبهر البصرَ ولذلك وَصَف به الجَّنةَ في قوله تعالى: {وَظِلّ مَّمْدُودٍ} فغيرُ سديد إذ لا ريب في أنَّ المرادَ تنبيهُ النَّاسِ على عظيم قُدرة الله عزَّ وجلَّ وبالغِ حكمتِه فيما يشاهدونَه فلابد أنْ يُرادُ بالظلِّ ما يتعارفونه من حالةٍ مخصوصةٍ يشاهدونها في موضعٍ يحول بينه وبين الشَّمسِ جسمٌ كثيفٌ مخالفةً لما في جوانبه من مواقعِ ضحِّ الشَّمسِ وما ذُكر وإن كانَ في الحقيقةِ ظلاَّ للأفق الشرقيِّ لكنَّهم لا يعدونه ظلًا ولا يصفونه بأوصافهِ المعهودةِ ولعلَّ توجيه الرُّؤية إليه سبحانه وتعالى مع أنَّ المرادَ تقريرُ رؤيته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لكيفيَّةِ مدِّ الظِّلِّ للتنبيهِ على أنَّ نظرَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ غيرُ مقصورٍ على ما يُطالعه من الآثارِ والصَّنائعِ بل مطمح أنظارِه معرفةُ شؤون الصَّانعِ المجيدِ. وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} جملةٌ اعترضتْ بين المعطوفين للتَّنبيِه من أول الأمرِ على أنَّه لا مدخل فيما ذكر من المدِّ للأسباب العاديَّةِ وإنَّما المؤثر فيها المشيئةُ والقدرةُ، ومفعولُ المشيئةِ محذوفٌ على القاعدة المستمرَّة من وقوعها شرطًا وكونِ مفعولها مضمونَ الجزاء أي ولو شاء سكونَه لجعله ساكنًا أي ثابتًا على حالِه من الطُّولِ والامتدادِ وإنما عُبِّر عن ذلك بالسُّكونِ لما أنَّ مقابلَه الذي هو تغيُّر حاله حسب تغُّيرِ الأوضاعِ بينَ المظلِّ وبين الشَّمسِ يُرَى رأيَ العينِ حركة وانتقالًا وحاصلُه أنه لا يعتريهِ اختلافُ حالٍ بأن لا تنسخه الشَّمسُ، وأمَّا التَّعليلُ بأنْ يجعل الشَّمسَ مقيمةً على وضع واحد فمداره الغفُول عمَّا سِيق له النَّظمُ الكريم ونطقَ به صريحًا من بيان كمال قُدرته القاهرة وحِكمته الباهرة بنسبة جميعِ الأمور الحادثة إليه تعالى بالذَّاتِ وإسقاط الأسباب العاديَّةِ عن رُتبة السَّببيَّةِ والتَّاثيرِ بالكُلِّيةِ وقصرِها على مجرَّدِ الدِّلالةِ على وجود المسبَّبات لا بذكر قُدرته تعالى على بعض الخوارق كإقامةِ الشَّمسِ في مُقام واحدٍ على أنَّها أعظمُ من إبقاء الظلِّ على حالِه في الدِّلالةِ على ما ذُكر من كمال القُدرةِ والحكمة لكونِه من فُروعها ومُستتبعاتها فهي أَوْلَى وأحقُّ بالإيراد في معرضِ البيانِ.